المقامة الدمشقية عبدالناصر عليوي العبيدي

 

المقامة الدمشقية  عبدالناصر عليوي العبيدي

المقامة الدمشقية

--------

حَدَّثَنَا الْمُحَامِي فَارِسُ الْكَسَمِ حَيْثُ قَالَ: بَيْنَمَا كُنْتُ صَافِنًا أُفَكِّرُ فِيمَا حَلَّ بِي مِنَ

الْقَهْرِ وَحَوَادِثِ الدَّهْرِ.

 حَيْثُ كُنْتُ الشَّبِّيحَ الَّذِي لَا تُهَزُّهُ الرِّيحُ.

 اتَّصَلَ بِي فَادِي صَقْرٌ.

 وَهُوَ الَّذِي تَوَاتَرَتْ عَنْهُ الْأَخْبَارْ، بِأَنَّهُ مُجْرِمٌ جَزَّارْ، قَتَّلَ الْأَطْفَالَ وَقَلَّعَ الْأَشْجَارْ،

 وَكَانَتْ قَذَائِفُ مَدَافِعِهِ تَتَسَاقَطُ كَزَخَّاتِ الْأَمْطَارْ،

 فَتَتَهَاوَى الْبُيُوتُ وَتَنْهَارْ، وَتَتَنَاثَرُ الْأَحْجَارْ، وَيَصْعَدُ نَحْوَ السَّمَاءِ الْغُبَارْ.

 وَجَرَائِمُهُ وَاضِحَةٌ كَالشَّمْسِ فِي وضحِ النَّهَارْ،

 وَلَا يَرْعَى لِلنَّاسِ إِلًّا وَلَا ذِمَّةْ، فتَرَبَّعَ عَلَى عَرْشِ الْإِجْرَامِ وَوَصَلَ إِلَى الْقِمَّةْ.

وَرَاحَ النَّاسُ يَدْعُونَ الْمُنْتَقِمَ الْجَبَّارْ: اللَّهُمَّ أَزِحْ عَنَّا هَذِهِ الْغُمَّةْ.

 فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُمْ دُعَاءَهُمْ وَأَبْعَدَ عَنْهُمْ عِصَابَةَ الْأَشْرَارْ، وَأَصْبَحَ فَادِي مُتَوَارِيًا عَنِ

الْأَنْظَارْ، كَأَنَّهُ ثعلبٌ مُخْتَبِئٌ فِي وِجارْ.

فَقَالَ: أَدْرِكْنِي يَا فَارِسْ، فَأَنْتَ لِكُلِّ الْمُجْرِمِينَ أَمِينٌ وَحَارِسْ،

 وَأَنَا خَائِفٌ خَانِسْ، وَأَخْشَى أَنْ يَقْبُضَ عَلَيَّ رِجَالُ الْأَمْنِ وَأَنَا بِمَخْبَئِي جَالِسْ.

 وَقَدْ عَدِمْتُ الْحِيلَةْ، وَلَمْ يَتَبَقَّ لِي مِنْ وَسِيلَةْ.

 فَهَلْ لَدَيْكَ طَرِيقَةْ نغيّرُ بها الحقيقةْ و تَجْعَلُ مِنِّي فَارِسًا مِغْوَارًا، حَمَى السِّلْمَ الْأَهْلِيَّ

وَحَرَّرَ الدِّيَارَ؟ وَلَوْلَايَ فَتْحُ الشَّامِ مَا صَارَ! 

فَقُلْتُ لَهُ: يَا فَادِي، هَذِهِ مُهِمَّةٌ خَطِيرَةْ، وَعَلَى مِثْلِي بَاتَتْ كَبِيرَةً عَسِيرَةْ،

 وَأَنَا عَلَيَّ دَارَ الزَّمَانُ، وَبِتُّ مِثْلَكَ أَبْحَثُ عَنِ الْأَمَانِ وَالْحِمَايَةْ،

 وَسَلَامَتِي أَصْبَحَتْ هَدَفًا لِي وَغَايَةْ.

 فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا بِالصِّنْدِيدَيْنِ الْحَسَنَيْنِ: حَسَنِ الدَّغِيمِ وَحَسَنِ صُوفَانْ،

 فَبِهِمَا اسْتَنْجِدْ، كَمَا يَسْتَنْجِدُ الشِّيعَةُ بِصَاحِبِ الْعَصْرِ وَالزَّمَانْ.

 مُتَنَاغِمَانِ كَصَاحِبَيِ الطَّبْلَةِ وَالْمِزْمَارِ، أَمْرُهُمَا عَجِيبْ،

 وَكُلُّ عِلَّةٍ يَصْلُحَانِ لَهَا معالجٌ وطَبِيبْ،

 وَمَا مِنْ عُقْدَةٍ إِلَّا لَهَا عِنْدَهُمَا حَلٌّ وَفَكَّةْ.

وَهُمَا قَادِرَانِ أَنْ يُقْنِعَا النَّاسَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ كَانَ لَهُ دَوْرٌ بَارِزٌ فِي فَتْحِ مَكَّةْ،

 وَلَوْلَاهُ لَمَا انْتَصَرَ الْإِسْلَامْ، وَلَمَا انْتَشَرَ فِي الْعِرَاقِ وَالشَّامْ.

 وَهُمَا قَادِرَانِ عَلَى إِدَانَةِ الضَّحِيَّةْ، بِاعْتِدَائِهَا عَلَى سُقْرَاطَ رَحِيَّةْ. 

فَقَالَ: ألِهَذَا الْحَدِّ حِيَلُهُمَا قَوِيَّةْ؟ 

قُلْتُ: بَلَى، حَتَّى الشَّيْطَانُ يَنْحَنِي لَهُمَا وَيُؤَدِّي التَّحِيَّةْ. 

فَقَالَ: غَرِيبٌ، لَكِنَّ الرَّجُلَ الثَّانِيَ كَانَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارْ،

 يَقْدَحُ بِالْجُولَانِي ،

وَيَقُولُ: تَحْرِيرُ إِدْلِبَ أَهَمُّ مِنْ تَحْرِيرِ دِمَشْقَ وَالزَّبَدَانِي،

 مِنْ قَبْضَةِ بَشَّارْ. 

فَقُلْتُ: سُؤَالُكَ منطقيٌ ومَعْقُولْ، لَكِنْ كَمَا تَعْرِفُ الرَّجُلُ مُتَقَلِّبٌ أَكْثَرَ مِنْ طَقْسِ

إِسْطَنْبُولْ، فَهُوَ الْآنَ صَاحِبُ الْحُظْوَةِ وَالْقَبُولْ، وَهُوَ قَائِدُ أُورْكَسْتْرَا الْمَزَامِيرِ

 وَالطُّبُولْ،

 وَأَنَّ مُحَمَّدَ قَبْنَض بَاتَ يَتَلَقَّى عَلَى يَدَيْهِ الْقَوَاعِدَ وَالْأُصُولْ. 

قَالَ: حَسَنًا، سَأَذْهَبُ وَأَتَحَقَّقُ مِمَّا تَقُولْ. 

وَتَفَاجَأْتُ بَعْدَ عِدَّةِ أَيَّامٍ أَنَّ فَادِيَ صَقْرٍ أَصْبَحَ حَدِيثَ الْأَخْبَارْ، وَكأَنَّهُ شَمْشُونُ الْجَبَّارْ،

 وَأَنَّهُ مَنْ قَوَّضَ حُكْمَ بَشَّارْ،

 وَأَنَّهُ حَمَامَةُ سَلَامٍ أَنْقَذَ الْأَنَامْ، وَلَوْلَاهُ لَعَاشَتْ سُورِيَا عُصُورًا فِي الْجَهْلِ وَالظَّلَامْ. 

وَإِذْ بِجَرَسِ الْهَاتِفِ يَرِنُّ على غير عادةْ، وَإِذْ بِفَادِي تظهرُ عليه علاماتُ الرّضى

والسّعادةْ، ويَقُولْ: تَعْرِفُ يَا فَارِسُ يَا صَدِيقِي الْأَصِيلْ، مَا قُلْتَهُ لِي عَنِ الْحَسَنَيْنِ

كَانَ أَقَلَّ مِنَ الْقَلِيلْ، فَهُمَا مُصِيبَتَانِ لَا تُوصَفَانِ، وَكَأَنِّي بِهِمَا أَرَى سُورِيَا تَعُودْ,

 لِابْتِسَامَاتِ شَرِيفِ شَحَادَةَ، وَمُرَبَّعَاتِ خَالِدِ عَبُّودْ.

 فَتَذَكَّرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ حَيْثُ قَالَ: 

وَمَنْ طَبَّاخُهُمْ أَمْسَى (جُعَيْصًا) ... فَإِنَّ طَبِيخَهُمْ حَتْمًا يَشِيطُ

من أراد القصيدة كاملة:  شعيط ومعيط  

--------

عبدالناصر عليوي العبيدي


ليست هناك تعليقات